الإلحاد كدين معاكس
الإلحاد هو ثمرة التفكير الحر المستقل للشخصية البشرية المسئولة و هو خروج البشر من عبوديتهم التي خلقوها بنفسهم و الإلحاد هو المخاطرة في استخدام العقل بشكل مستقل عن كل المعطيات الجاهزة. و هو قرار مستقل حر لصالح الذات و لصالح المسؤولية الشخصية.
لذلك قد يكون الإلحاد جوابا فلسفيا على الفكرة الدينية أو قد يكون أيضا ردة فعل اجتماعية على المؤسسات الدينية.
هذا الرد على المؤسسات الدينية ينطبق عليه قانون تساوي الفعل و رد الفعل و لذلك و انطلاقا من عنف و وحشية الأديان و توازيا مع المؤسسات الدينية الحاكمة فإن الرد عليها يكون عنيفا و يدفع إلى الثورة التي تكون في الكثير من الحالات دموية بقدر ما كانت المؤسسات الدينية الحاكمة دموية و عنيفة.
من ناحية أخرى فإن البشر الذي تعودوا على الطاعة و على تسليم أمورهم للمؤسسات الدينية لن يتعلموا بسهولة و بسرعة استخدام حريتهم و عقلهم و إنسانيتهم من اجل تحقيق ذواتهم الشخصية و لذلك سيتحول الإلحاد بغض النظر عن منشأه إلى دين جديد. و هذا ما نراه في الثورة الفرنسية عندما قامت مجموعة صغيرة في من الثوار يوم 10-11-1793 بتنصيب آلهة جديدة "إلهة العقل" أما الدافع لذلك فقد كان إرضاء الحس و الدافع الديني لدى أفراد الشعب. رغم أن هذه الحاثة لم تكن من أعمال قيادة الثورة إلا أن روبسبير عبر عن هذه الفكرة بطريقة أخرى: "الإلحاد هو أرستقراطي. الشعب بحاجة على شيء كبير (Grand étre) يحمي المظلوم و يعاقب الظالم".
لم يكن هذا العمل غير نقل الثورة السياسية إلى الجانب الديني أي انه كان الإعلان عن دين جديد يتشابه مع الدين القديم من ناحية عنفه و عدم تساهله مع المعارضين له. لذلك جاء في المدة رقم 1 من القرار الصادر بتاريخ
7-5-1794: "الشعب الفرنسي يعرف بوجود ماهية عليا و يقر بخلود الروح" غير ذلك فقد وضعت الثورة الفرنسية احتفالات و أيام وطنية جديدة منها الاحتفال الذي قاده روبسبير و الذي كان تحت اسم "احتفال الماهية العليا و الطبيعة".
لم يكن ذلك غير النظام القديم من وحدة السلطة الدينية و السياسية تحت اسم جديد و بتقاليد جديدة و بتقويم جديد و بقديسين جدد. أو كما وصف المسيح ذلك "خمر جديد في جرار قديمة".
لم يكن ذلك انتصارا لسلطة العقل و لحرية الإرادة من اجل بناء عالم جديد يقوم على ذلك أنما كان جهز جديد أو شكل جديد من اجل مواصلة التحريف و التزوير السياسي و الأخلاقي. و هذا ما أدى على أن تأكل الثورة الفرنسية أبناءها إذ أن أنصار الفصل بين الدين و الدولة في الثورة الفرنسية لم يسامحوا روبسبير على طريقته الدينية.
إذاً لا يكفي إنكار وجود الآلهة من أجل التحرر من التبعية و العبودية و خاصة عندما يتبع الإنسان سلطات جديدة. يتحدث كانت (Kant) في هذا المجال عن "الكسل و الجبن (الخوف)" كأسباب لهذا التطور: "لماذا نجد أن هناك قسما كبيرا من البشر، بعد أن حرروا الطبيعة من كل سلطة خارجية، يريدون الخضوع. ... انه شيء مريح أن يكون المرء خاضعا: لو كان عندي كتاب يملك عقلا من أجلي و يملك ضميرا عوضا عني، لو كان طبيبا يضع لي خطة الطعام الصحية ... الخ. في هذه الحالة لن أحتاج أن أُتعب نفسي. لن أكون بحاجة لأن أفكر عندما يكون هناك من يقوم بأعمالي الاقتصادية و أنا املك من المال ما استطيع أن ادفع له".
هذا الكسل و هذا البحث عن الراحة هوالنقيض ممن يعتقد انه يملك الحقيقة المطلقة. كمثال على هذه الحالة نستطيع أن نورد هنا أوغوست كومتي (Auguste Comte) الذي وُصف بأنه ملحد لأنه وضع "دين البشر" و لأنه وضع "تعاليم الدين الإيجابي" و لذلك يمكن وصفه بأنه أبو الإلحاد المعاصر. و لكنه كان يصف نفسه بأنه نبي ديانة جديدة. دور الإله في هذه الديانة الجديدة يلعب هنا ال "شيء كبير" و الذي كان يرمز لدى كومتى إلى مجموع البشر الذين يساهمون في تطور البشرية.
كومتى المحافظ كان مندهشا و متفاجئا من تفكك و انهيار النظام السياسي لذلك كانت رؤيته المستقبلية قاتمة. هذه الرؤيا التي تتكون من عودة المجتمع البشري إلى عهود البربرية. لم يكن كومتى يعتقد انه بإمكان الفرد الخروج من خضوعه الذي كان هو نفسه سببه. غير ذلك كان كومتى يعتقد انه في ظل نظام سياسي و اخرقي جديد تنتفي الحاجة إلى استقلالية و حرية الضمير الشخصي لأن العقلانية أي العلم سيسود المجتمع و سيسود تصرفات أفراد المجتمع. كومتى كان يعتقد نفسه نبي مجتمع متكامل كامل سلمي متعاون حيث يتم توزيع الممتلكات و البضائع بشكل عادل بين أفراد المجتمع. الثورة التي كان كومتى ينتظرها و يتوقعها كانت ثورة روحية و عقلية. لذلك فإن نقد كومتى للأديان القديمة كان إبدال التصورات الدينية القديمة للحياة ما بعد الموت بتصورات جديدة حول تنفيذ او تطبيق هذه التصورات الغيبية على الحياة الأرضية و حسب رأيه فإن هذه الفكرة ستوحد قوى البشر من اجل هذه الدفعات أو النبضات الثورية المنتظرة.
هذه الأفكار و التصورات خُلقت لدى كومتى من رحم التفكير الديني المطلق. أي انه لم ينقد الفكرة الدينية من وجهة نظر اجتماعية و فلسفية إنما حاول بناء فكرة "دينية" جديدة قوامها العلم و الحياة البشرية على الأرض. كان يرى نفسه مبشرا لدين جديد و لذلك أرسل رسائل إلى قيصر روسيا و إلى الوزير الكبير في السلطنة العثمانية يدعوهما فيها إلى اعتناق دينه الجديد و كذلك أرسل رسالة إلى زعيم اليسوعيين يعرض فيها عليه تحالفا من أجل مقاومة الانحلال و الفوضى.
كيف يمكن أن نفهم كومتى؟؟؟ أعتقد ان كومتى لم يكن ملحدا بل كان يريد دينا جديدا يتفوق على الأديان السابقة في مجال التسامح و التعايش السلمي و في مجال سلطة العلم في المجتمع.
هنا يكمن الخطر في النضال و في الصراع مع الأديان، أي في اقتباس الفكرة الدينية و تحويلها إلى فكرة أخرى مع بقاء الجوهر.
و هذا ما حدث مع التطبيقات الاشتراكية التي تحولت مع الوقت إلى صراع و نضال ضد المؤسسات الدينية المسيطرة و ذلك بعكس ما أراده و ما كتبه آباء الماركسية الأوائل (ماركس، أنجلس، لينين). حيث اتخذت هذه التطبيقات الاشتراكية نفس الوسائل الدينية في صراعها ضد المؤسسات الدينية الحاكمة أي أنها تبنت فكرة "الخلاص" عبر المطلق الذي لا يُخطي أي الحزب الحاكم.
لكن النظرية الاشتراكية الأصلية فهمت الصراع ضد الأديان بطريقة أخرى أي أن الأديان هي مخدر الشعب في بؤسه و في وضعه المزري و عندما يتحسن وضع الشعب المعيشي و الحياتي و الثقافي أي عندما يتحسن وضع المجتمع بشكل عام يتخلى الشعب بمحض إرادته و حريته عن الأديان السابقة و هو في ذلك لا يحتاج إلى نظام ديني جديد أو إلى وسائل دينية جديدة من اجل إجباره على التخلي عن الأديان القديمة.
للمقارنة أيضا نستطيع إيراد الاشتراكية القومية (النازية) التي كانت دينا جديدا و بآلهة جدد (العرق و القومية) حيث كان الزعيم (الفوهرر) هو النبي و زعيم رجال الدين و هو الذي خلق فكرة الخلاص (إمبراطورية الألف سنة) و غير ذلك فقد كان هذا الدين غير متسامحا و يريد إخضاع الأديان (القوميات) الأخرى.
القاسم المشترك بين الجميع هو كونها أديان تُفرض من قبل الدولة أي أنها لا تترك مجالا للحرية الشخصية و لا لحرية الفرد في اتخاذ قراره بنفسه.
يتبع
الإلحاد هو ثمرة التفكير الحر المستقل للشخصية البشرية المسئولة و هو خروج البشر من عبوديتهم التي خلقوها بنفسهم و الإلحاد هو المخاطرة في استخدام العقل بشكل مستقل عن كل المعطيات الجاهزة. و هو قرار مستقل حر لصالح الذات و لصالح المسؤولية الشخصية.
لذلك قد يكون الإلحاد جوابا فلسفيا على الفكرة الدينية أو قد يكون أيضا ردة فعل اجتماعية على المؤسسات الدينية.
هذا الرد على المؤسسات الدينية ينطبق عليه قانون تساوي الفعل و رد الفعل و لذلك و انطلاقا من عنف و وحشية الأديان و توازيا مع المؤسسات الدينية الحاكمة فإن الرد عليها يكون عنيفا و يدفع إلى الثورة التي تكون في الكثير من الحالات دموية بقدر ما كانت المؤسسات الدينية الحاكمة دموية و عنيفة.
من ناحية أخرى فإن البشر الذي تعودوا على الطاعة و على تسليم أمورهم للمؤسسات الدينية لن يتعلموا بسهولة و بسرعة استخدام حريتهم و عقلهم و إنسانيتهم من اجل تحقيق ذواتهم الشخصية و لذلك سيتحول الإلحاد بغض النظر عن منشأه إلى دين جديد. و هذا ما نراه في الثورة الفرنسية عندما قامت مجموعة صغيرة في من الثوار يوم 10-11-1793 بتنصيب آلهة جديدة "إلهة العقل" أما الدافع لذلك فقد كان إرضاء الحس و الدافع الديني لدى أفراد الشعب. رغم أن هذه الحاثة لم تكن من أعمال قيادة الثورة إلا أن روبسبير عبر عن هذه الفكرة بطريقة أخرى: "الإلحاد هو أرستقراطي. الشعب بحاجة على شيء كبير (Grand étre) يحمي المظلوم و يعاقب الظالم".
لم يكن هذا العمل غير نقل الثورة السياسية إلى الجانب الديني أي انه كان الإعلان عن دين جديد يتشابه مع الدين القديم من ناحية عنفه و عدم تساهله مع المعارضين له. لذلك جاء في المدة رقم 1 من القرار الصادر بتاريخ
7-5-1794: "الشعب الفرنسي يعرف بوجود ماهية عليا و يقر بخلود الروح" غير ذلك فقد وضعت الثورة الفرنسية احتفالات و أيام وطنية جديدة منها الاحتفال الذي قاده روبسبير و الذي كان تحت اسم "احتفال الماهية العليا و الطبيعة".
لم يكن ذلك غير النظام القديم من وحدة السلطة الدينية و السياسية تحت اسم جديد و بتقاليد جديدة و بتقويم جديد و بقديسين جدد. أو كما وصف المسيح ذلك "خمر جديد في جرار قديمة".
لم يكن ذلك انتصارا لسلطة العقل و لحرية الإرادة من اجل بناء عالم جديد يقوم على ذلك أنما كان جهز جديد أو شكل جديد من اجل مواصلة التحريف و التزوير السياسي و الأخلاقي. و هذا ما أدى على أن تأكل الثورة الفرنسية أبناءها إذ أن أنصار الفصل بين الدين و الدولة في الثورة الفرنسية لم يسامحوا روبسبير على طريقته الدينية.
إذاً لا يكفي إنكار وجود الآلهة من أجل التحرر من التبعية و العبودية و خاصة عندما يتبع الإنسان سلطات جديدة. يتحدث كانت (Kant) في هذا المجال عن "الكسل و الجبن (الخوف)" كأسباب لهذا التطور: "لماذا نجد أن هناك قسما كبيرا من البشر، بعد أن حرروا الطبيعة من كل سلطة خارجية، يريدون الخضوع. ... انه شيء مريح أن يكون المرء خاضعا: لو كان عندي كتاب يملك عقلا من أجلي و يملك ضميرا عوضا عني، لو كان طبيبا يضع لي خطة الطعام الصحية ... الخ. في هذه الحالة لن أحتاج أن أُتعب نفسي. لن أكون بحاجة لأن أفكر عندما يكون هناك من يقوم بأعمالي الاقتصادية و أنا املك من المال ما استطيع أن ادفع له".
هذا الكسل و هذا البحث عن الراحة هوالنقيض ممن يعتقد انه يملك الحقيقة المطلقة. كمثال على هذه الحالة نستطيع أن نورد هنا أوغوست كومتي (Auguste Comte) الذي وُصف بأنه ملحد لأنه وضع "دين البشر" و لأنه وضع "تعاليم الدين الإيجابي" و لذلك يمكن وصفه بأنه أبو الإلحاد المعاصر. و لكنه كان يصف نفسه بأنه نبي ديانة جديدة. دور الإله في هذه الديانة الجديدة يلعب هنا ال "شيء كبير" و الذي كان يرمز لدى كومتى إلى مجموع البشر الذين يساهمون في تطور البشرية.
كومتى المحافظ كان مندهشا و متفاجئا من تفكك و انهيار النظام السياسي لذلك كانت رؤيته المستقبلية قاتمة. هذه الرؤيا التي تتكون من عودة المجتمع البشري إلى عهود البربرية. لم يكن كومتى يعتقد انه بإمكان الفرد الخروج من خضوعه الذي كان هو نفسه سببه. غير ذلك كان كومتى يعتقد انه في ظل نظام سياسي و اخرقي جديد تنتفي الحاجة إلى استقلالية و حرية الضمير الشخصي لأن العقلانية أي العلم سيسود المجتمع و سيسود تصرفات أفراد المجتمع. كومتى كان يعتقد نفسه نبي مجتمع متكامل كامل سلمي متعاون حيث يتم توزيع الممتلكات و البضائع بشكل عادل بين أفراد المجتمع. الثورة التي كان كومتى ينتظرها و يتوقعها كانت ثورة روحية و عقلية. لذلك فإن نقد كومتى للأديان القديمة كان إبدال التصورات الدينية القديمة للحياة ما بعد الموت بتصورات جديدة حول تنفيذ او تطبيق هذه التصورات الغيبية على الحياة الأرضية و حسب رأيه فإن هذه الفكرة ستوحد قوى البشر من اجل هذه الدفعات أو النبضات الثورية المنتظرة.
هذه الأفكار و التصورات خُلقت لدى كومتى من رحم التفكير الديني المطلق. أي انه لم ينقد الفكرة الدينية من وجهة نظر اجتماعية و فلسفية إنما حاول بناء فكرة "دينية" جديدة قوامها العلم و الحياة البشرية على الأرض. كان يرى نفسه مبشرا لدين جديد و لذلك أرسل رسائل إلى قيصر روسيا و إلى الوزير الكبير في السلطنة العثمانية يدعوهما فيها إلى اعتناق دينه الجديد و كذلك أرسل رسالة إلى زعيم اليسوعيين يعرض فيها عليه تحالفا من أجل مقاومة الانحلال و الفوضى.
كيف يمكن أن نفهم كومتى؟؟؟ أعتقد ان كومتى لم يكن ملحدا بل كان يريد دينا جديدا يتفوق على الأديان السابقة في مجال التسامح و التعايش السلمي و في مجال سلطة العلم في المجتمع.
هنا يكمن الخطر في النضال و في الصراع مع الأديان، أي في اقتباس الفكرة الدينية و تحويلها إلى فكرة أخرى مع بقاء الجوهر.
و هذا ما حدث مع التطبيقات الاشتراكية التي تحولت مع الوقت إلى صراع و نضال ضد المؤسسات الدينية المسيطرة و ذلك بعكس ما أراده و ما كتبه آباء الماركسية الأوائل (ماركس، أنجلس، لينين). حيث اتخذت هذه التطبيقات الاشتراكية نفس الوسائل الدينية في صراعها ضد المؤسسات الدينية الحاكمة أي أنها تبنت فكرة "الخلاص" عبر المطلق الذي لا يُخطي أي الحزب الحاكم.
لكن النظرية الاشتراكية الأصلية فهمت الصراع ضد الأديان بطريقة أخرى أي أن الأديان هي مخدر الشعب في بؤسه و في وضعه المزري و عندما يتحسن وضع الشعب المعيشي و الحياتي و الثقافي أي عندما يتحسن وضع المجتمع بشكل عام يتخلى الشعب بمحض إرادته و حريته عن الأديان السابقة و هو في ذلك لا يحتاج إلى نظام ديني جديد أو إلى وسائل دينية جديدة من اجل إجباره على التخلي عن الأديان القديمة.
للمقارنة أيضا نستطيع إيراد الاشتراكية القومية (النازية) التي كانت دينا جديدا و بآلهة جدد (العرق و القومية) حيث كان الزعيم (الفوهرر) هو النبي و زعيم رجال الدين و هو الذي خلق فكرة الخلاص (إمبراطورية الألف سنة) و غير ذلك فقد كان هذا الدين غير متسامحا و يريد إخضاع الأديان (القوميات) الأخرى.
القاسم المشترك بين الجميع هو كونها أديان تُفرض من قبل الدولة أي أنها لا تترك مجالا للحرية الشخصية و لا لحرية الفرد في اتخاذ قراره بنفسه.
يتبع