من طرف مؤمن مصلح الجمعة مارس 23, 2012 2:29 pm
إقتباس
م ع ق ف
ثورات البؤس ..وبؤس الثورات
حين رأيت على شاشة قناة قاعدة السيلية علم النجمات الثلاث الغليوني يرفرف في ميدان التحرير في خضم أزمات سياسية كبرى تعصف بمصر نفسها، وتابعت تصرفات شبان الثورة المصرية (التضامنية؟) أمام السفارة السورية في القاهرة، بدا لي واضحا أن الثورات التي جرى "التسويق" لها على أنها ثورات بؤس بدأت تبدي لنا بؤس الثورات حين لا تكون ارتجالية فحسب، بل متهافتة إلى الحد الذي يسمح بجعلها أداة سهلة المراس لتجار الحروب والدم ، متبجحة بثوريتها إلى الحد الذي يجعلها تستبيح كل المحرمات، تبتز كل من يعترض عليها بسيف تلك الشرعية الثورية، مستقوية بضعف "البؤس" الذي تزعم أنه أصل الثورة وغايتها..
ولم أفهم .. من هؤلاء المتضامنون الذين يبدو أنهم أصيبوا بالحول السياسي والتاريخي فلم يعودوا يدركون من الذي يسرق غاز مصر ويعقد التحالفات في منطقة حوض النيل للسيطرة على مياههم، ويحاصرهم غربا عبر ثوار الناتو (الذين اتفق أن التضامن معهم من قبل نفس المتضامنين ليس له مثيل) ويستبيح صحراءهم وحدودهم وجنودهم شرقا،، فتركوا سفارته بعد استعراض بهلواني جرى أمامها قبل أشهر،، سارع نفس أولئك المتضامنين في وقته إلى إدانته والقول بأنه لعبة من العسكري،، وهو أمر غير مستبعد أيضا... تركوا سفارته وذهبوا صوب سفارة البعث العلوي الصفوي المجوسي أو كما ورد في فقه هذه الثورات التي لا نعرف هل هي ثورات جوع وبؤس ، أم ثورات "حرية" أم ثورات تزمت وطالبانية
أما مفردة الحرية هذه، فلها ك"الثورة" قدسية تستمدها من اللغة ومن قوة الإيحاء على ما يبدو لا من مضمونها إن وجد،، وإن وجد فهو مضمون اجتماعي اقتصادي يعرف الحرية من منظور التبعية الرخيصة والاقتصاد الاستهلاكي الذي لا يستغني عن المعونة الأمريكية (ولا يجدها من مبطلات الحرية، ولا يجد السعي للتحرر منها والتحول نحو الاقتصاد المنتج من موجبات الحرية وشروطها) ويتضامن بأعلام الانتداب أمام سفارات من هو -على سوئه وعيوبه- يسعى لأن يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع...
و قد اعترض على وصف تلك الثورات بأنها ثورات جياع نفر من "علية؟" القوم الذين أصروا على انها ثورات حرية لا ثورات جياع ورعاع أو كما ورد في فقه تلك القلة التي لا تقل تلوثا، والتي لها نصيبها من الإعلام.. والتي يراد أن تظهر هي على أنها المعسكر المعارض للأغلبية الثورية (الإخوانجية؟، الكنبة؟، المنهزمة التي تريد الاستقرار؟ العفاريت الزرق؟ ""كتائب"" طنطاوي؟).. مع ان من يمثل المعسكر المعارض لكل ذلك التلوث والزيف ليس له تمثيل أو وزن لا في الإعلام ولا في صناديق الاقتراع، ربما في التوابيت فقط...
بؤس الثورات يتبدى لنا في كل شيء، في صفحة "كلنا خالد سعيد" التي تتغزل بالعهد الملكي في مصر -الذي لا نشيطنه ولكن نفهم مثالبه- وتجعل كل حكم العسكر واحدا.. مساوية بين عبد الناصر من جهة، والسادات ومبارك وطنطاوي من جهة أخرى في تمييع ليس له منافسون كثيرون في الرخص على مر التاريخ... بؤس الثورات نراه في صفحات ستة ابريل على الفيسبوك،، والتي اتخذت من علم الثلاث نجمات العرعوري صورة للبروفايل.. وفي صفحات النهضة التونسية،، وفي شبكات رصد الإخوانجية... وتلك الأخيرة يبدو أنها هي صدى للأغلبية القاعدة لا كصفحات ستة ابريل وخالد سعيد التي هي مجرد كلام في الفراغ كما يبدو يعبر عن نخب معزولة عن الشارع، وعن الحق والحقيقة،، أقولها بشماتة فيهم لا تحتمل أبدا التبريك للإخوان.. الخيار الأمريكي في المنطقة،، ومخلب القط في الوعي الجمعي العربي المتهتك،، والذي يعمل رجاله على على الأرض كعملاء ناتو وثوار ناتو ومنظري ناتو...
الطالبانية إذا ،، هي كما قلنا،، الخيار الأمريكي في المنطقة اليوم (ولمن يفهم الحقيقة فالإخوان هم أحد وجوهها وليسوا غيرها).. ورغم كل التهريج من مناوئيها الليبرال، ورغم كل ذلك الأسى من رافضيها الأحرار (الذين يبدو أن الجميع اتفق على نبذهم وتكفيرهم شيوعيين كانوا أم ناصريين أم غير ذلك) فهي كخيار أمريكي المرشح الأكبر لاستلام المنطقة، وإعادة إنتاج الواقع الأمريكي التبعي الاستهلاكي فيها بثوب جديد بتمويل وجهد قطري سعودي مبارك- وها هي طالبان تفتح مكتبا لها في قطر، وها هي حماس تحزم حقائبها لتغادر سوريا إلى الأردن، الذي له شوكة ردت إلى الشرق الصبا..
بؤس الثورات ليس ردا على ثورات بؤس .. فهي ليست كذلك... والبائسون والبؤساء لا حظ لهم فيها
ولنا أن نتفاءل فقط في أن تستطيع دمشق -بعلم الوحدة ذي النجمتين العلويتين الاشتراكيتين الكافرتين- أن تصمد في وجه مغول العصر .. وان ينتحروا على أسوارها هذه المرة.. فلعل هذا فقط ما قد يوقف هذا المد البائس
ومعلش احنا بنتكلم
ربيع النكاح ... واعتذار واجب
أن تقوم ثورات من المحيط إلى الخليج لا ترفع اي واحدة من بينها شعارات التحرر من الهيمنة الأجنبية والتخلص من التبعية السياسية والاقتصادية التي هي اصل كل الفساد والشرور وكل حالات الاستبداد التي تعاني منها المنطقة، فذلك لم يصدمنا ... قلنا عادي، ليست أول مرة،، وليس أول ربيع أمريكي ... ولسنا مصدومين بجديد أمريكا القديم حين تسقط وضعا ما لحسناته وإن قلت لا لسيئاته وإن كثرت ..
أن تحاول أمريكا تجنيد عملائها الإسلاميين لقيادة المرحلة الجديدة، أيضا عادي ،، شيء متوقع ومتفشي...
أما أن يصدح مصطفى عبد الناتو في خطاب "التحرير؟؟!!" عن حق الليبيين في الزواج بأربعة نساء .... فهنا نقول لذلك التونسي الطيب ... فعلا يا شيخ.. هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية...
لم يكن بإمكاني إلا أن أقول "نحن في زمن المسخ" وأنا أسمع عبد الجليل يتفوه بذلك الكلام السخيف والبلد لم تـُطفأ حرائقها بعد ولم تجف دماء أبنائها الذين قام بعض "الثوار" بسحلهم وإهانتهم وحتى اللواط بهم كما تعلموا من أساتذتهم في سجن أبو غريب... الذي كان القذافي ربما الرئيس الوحيد الذي دعا إلى فتح تحقيق صريح في الانتهاكات التي حدثت في داخله على يد قديسي الحرية الأمريكيين
وشعرت عندها بغصة شديدة أيضا.... شعرت كم كنت سخيفا حين كنت أصر على إطلاق كلمة دكتاتور على كل من كان الإعلام الأمريكي يسميه بذلك... كنت كالببغاء،، أتحدث بأسلوب تطهري أحاول من خلاله أن أبدو أكثر إنسانية من الباقي،، حتى لم أدع مذمة إلا وألصقتها بصدام وبالأسد.... بل وصل الأمر بي إلى أن أتطاول على عبد الناصر نفسه في بعض الحالات انخداعا بشعارات مزيفة .. أكبر معادين ومنتهكين لها هم مروجوها أنفسهم ...
ولكن عندما تصبح عمليات السطو المسلح تسمى بالتحرير،، ويصبح المرتزقة يسمون بالثوار، فلا عجب أن تكون أول ملامح بداية عهد كهذا هي حرية النكاح..
فهي الحرية ... في زمن الناتو
تمثال عبد الناصر في بنغازي
وهكذا هدم ثوار الناتو تمثال عبد الناصر في بنغازي،، وفي شارع عبد الناصر الذي حرص ثوار الناتو على تغيير اسمه بعد ثورة الناتو...
خلص زهر اللوز و استوت الشمس فوق الاسكدنيا... ولا أعرف أي عذر هذه المرة سيجد المفكر الشيوعي القومي الليبرالي الأناركي الإسلامي الكوزموبوليتي الموسوعي عزمي بشارة لهذا الفعل الثوري بامتياز...
معه ربيع 2012 بأكمله ومعه صحراء قطر بأكملها ليتأمل فيها على مهل... عله يجد عذرا مناسبا يليق بأدبيات الربيع العربي ورياحه الإخوانية الصرصر العاتية....
أكاد أرى عبد الناصر يراقب المشهد من موقعه في العالم الآخر، غير عاتب ولا غاضب، غير نادم على عمر قضاه في حلم عربي راح أدراج الرياح، غير متحسر على ما آل إليه العرب، وغير شامت بهم، فما لا يعرفه الناس الذين احترفوا توزيع الناس على الجنة والنار، بتزيكة أنصارهم وتكفير معارضيهم، هو أن الحي شهيد على الناس ما دام فيهم، فإذا مات لم يعد يضره من يهدم تماثيله ولا ينفعه من يبنيها....
عبد الناصر يعلم دون أدنى شك الرمزية التي يحملها هذا الفعل الإخوانجي،، فهو ليس مجرد ثأر مبيت من أنصار سيد قطب، وليس مجرد غضب لمتزمتين يحرمون النحت والتماثيل على اعتبار انها اصنام، ولا حتى مجرد إعلان للبراءة من كل من كان القذافي يحبه أو يتظاهر بأنه قد اتخذه قدوة له... او من كان قد توسم في القذافي خيرا ومدحه في بدايات حكم القذافي وثورة القذافي...فالزمن الذي جاء على أنقاض القذافي الدكتاتور ليس زمنا للحرية ولنبض الشعوب ولصوت الطبقات المنبوذة إلى آخر الكليشيهات المكذوبة في إعلام الربيع البرتقالي... فهو زمن أسوأ من زمن القذافي،، تم تنفيذه بأدوات من هم أسوأ من القذافي، وبمعاونة ومشورة من هم أسوأ ...
ولا مكان في زمن كهذا لرمز للتحرر من التبعية ورمز للوحدة والتقدمية وكرامة العربي وإنسانيته...... في هذا الزمن نحتاج إلى أكثر المشاهد منافقة،،، فلا مانع من تمثال لمجاهد بطل يجاهد بسلاح أمريكي عدوا هو عدو أمريكا والمؤمنين... فهذا زمن عبد الله عزام وأيمن الظواهري وعدنان العرعور...
وكم هو أكرم وأفضل لعبد الناصر في زمن كهذا أن ينسى تماما،، بدلا من أن يخلط اسمه بأسماء التكفيريين والعملاء..